استراتيجيات جديدة لخفض النفقات ورفع كفاءة مندوبين المبيعات: دراسة حالة في شركة توزيع منتجات غذائية

Infoblink cloud system for FMCG adapts to management by objectives strategy

استراتيجيات جديدة لخفض النفقات ورفع كفاءة مندوبين المبيعات: دراسة حالة في شركة توزيع منتجات غذائية

تطور علم إدارة الأعمال حديثًا، حيث ظهرت استراتيجيات إدارية جديدة حققت نتائج مبهرة في تحول الشركات الخاسرة إلى رواد في مجالها، أو زادت من ربحية الشركات الناجحة من خلال خفض نفقات فريق المبيعات ورفع كفاءة الأفراد. وأحد القطاعات الأولى التي استفادت من هذه الاستراتيجيات الجديدة هو قطاع توزيع الأغذية والمشروبات والمنتجات الاستهلاكية سريعة الدوران، وخاصة تلك الشركات ذات الخبرة الطويلة في هذا المجال والتي انطلق نشاطها التجاري منذ سنوات عديدة، وهي التي كانت تتبع المدرسة التقليدية في هيكلة فرق المبيعات وتعيين المشرفين وتحديد الأدوار والمهام الوظيفية.
من بين الاستراتيجيات الجديدة، تبرز مبادئ “الإدارة بالأهداف”  Management by Objectives (MBO) كأساس للتحول الإداري، حيث يهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الفعالية والكفاءة بأقل عدد من الأفراد، وذلك بالمقارنة مع الاستراتيجية القديمة “Micro Management” التي تعتمد على وضع أكبر قدر ممكن من التحكم والمراقبة لأنشطة المندوبين اليومية، مما يتطلب تعيين فريق كبير من المشرفين لتحقيق الرقابة والانضباط المطلوب.
توضح هذه المقالة التحول من الطريقة التقليدية لإدارة فرق المبيعات، والتي تعتمد على “الإدارة بالمراقبة الدقيقة”، إلى النهج الحديث “الإدارة بالأهداف” الذي يركز على وضع مستهدفات آداء مصحوبة بتحليل دقيق للبيانات لاكتشاف نقاط الضعف واتخاذ الإجراء التصحيحي بسرعة فائقة.

الطريقة التقليدية

في النهج التقليدي لإدارة فرق المبيعات، يُعيَّن مشرف لكل مجموعة من المندوبين، حيث يتولى المشرف متابعة أداء كل مندوب والتأكد من التزامه بخط السير اليومي. يشمل دور المشرف أيضًا إجراء “زيارات مزدوجة” عشوائية للعملاء الذين تم زيارتهم من قبل المندوبين للتحقق من اتمام الزيارة وانها ليست زائفة. كما يتحمل المشرف مسؤولية وضع خطوط السير للمندوبين استنادًا إلى خبرته في المنطقة التي يعمل بها المندوبون.
في هذا النهج التقليدي، تلجأ بعض الشركات الى آليه منع المندوب من استثناء عميل من الزيارة المدرجة على خط السير إلا بعد اخطار المشرف وانتظار موافقته، مما يزيد من مهام المشرفين اليومية ويتطلب توفير عدد كبير منهم.

النهج الحديث

بدلاً من الاعتماد على نظام المراقبة الدقيقة للمندوبين، توفر البرمجيات الحديثة أدوات متطورة تتيح للمندوبين درجة أعلى من الحرية مع توفير أدوات القياس اللحظية للمشرفين أو محللي البيانات، مما ينبههم مبكرًا جدًا في حالة أي انحراف عن المستهدف ويتيح لهم التواصل السريع مع المندوب للتنبيه أو اتخاذ إجراء تصحيحي فوري.

أمثلة على الخصائص التقنية وتعديلات دورة العمل وتوزيع الأدوار:

  • دمج نظام إدارة المواقع الجغرافية وتقارير اكتشاف الزيارات الزائفة: يتيح التتبع اللحظي من لوحة التحكم معرفة مواقع وتحركات المندوبين من لحظة خروجهم من المنزل صباحًا، ومعرفة الزيارة الجاري تنفيذها حاليًا والزيارات المكتملة والزيارات المتبقية في اليوم. يمكن للنظام أيضًا إظهار “تنبيه للمشرف” في حالة وجود زيارة زائفة.
  • نظام مراقبة الجودة: وهو البديل عن القيام بالزيارة المزدوجة، حيث يمكن لموظف مكتبي يراقب لوحة تحكم النظام، من عمل اتصال بالعميل بعد دقائق من ظهور معلومة اكتمال الزيارة من المندوب – ليسأل العميل عن تقييمه للزيارة أو جودة المنتجات أو مهارة وحرفية المندوب.
  • نظام تصميم المسارات جغرافيًا وتوفير خرائط العملاء على تطبيق المندوب: تتيح الأنظمة الحديثة أدوات متعددة تتيح للمندوب تخطيط مساراته اليومية بنفسه (مع انتظار موافقة او تعديلات المشرف)، أو استخدام المشرف لنظام الخرائط لتصميم خطوط سير للمندوبين – دون الحاجة لتوفر أي خبرة بالطرق أو شوارع المنطقة التي يعمل بها المندوبون.

تقارير وأدوات تحليلية:

  • تقارير المنجز من المسار (والتي يمكن مراجعتها اثناء اليوم): تمكن هذه التقارير من استعراض القدر المنجز من كل مسار مندوب عدة مرات خلال اليوم، وتُعتبر بديلًا مثاليًا للمراقبة الدقيقة. وتمكن محلل البيانات من متابعة أداء عشرات المندوبين واكتشاف العملاء الذين لم يتم زيارتهم كما هو مخطط، مما يساعد على إعادة جدولة زيارتهم في الأيام القادمة.
  • تقارير الفرص الضائعة: تساعد في اكتشاف العملاء الذين لم تتم زيارتهم أو تحقيق مبيعات لهم لفترة زمنية محددة (شهر مثلا)، مما يمكن المؤسسة من اتخاذ إجراءات استباقية لاستعادتهم مثل تقديم عروض او مكالمات ترويجية , او عمل زيارات استقصائية لمعرفة اسباب توقف التعامل.
  • مراقبة لحظية للمحقق من المستهدفات اليومية (دون انتظار غلق المندوب لليومية): تمكن محلل البيانات من معرفة أداء المندوبين عند انتصاف يوم العمل , وبالتالي اكتشاف المتأخرين والتواصل معهم لمعرفة أسباب التأخير والتعامل معها على الفور لضمان تحقيق المستهدف.
  • اكتشاف تداخل العملاء بين المندوبين من واقع مسار تحركات المندوبين اليومية: في حالات وجود اكثر من مندوب لخدمة منطقة جغرافية ذات كثافات مرتفعة , قد يحدث تداخل بين عملاء المناديب , ويكون من الصعب جدا اكتشاف مثل هذه الحالات. ولكن باستخدام آداة اعادة رسم خط سير المندوب الفعلي Route playback واسقاط العملاء حول المسار , يمكن للمشرف ملاحظة وقوع بعض عملا مندوب آخر على نفس المسار , مما يستوجب اعادة اسناد العملاء بين المندوبين لضمان خدمة اكبر قدر من العملاء في اقل وقت زمني لتحسين كفاءة الفريق وخفض تكاليف الانتقال.

بالإضافة الى العديد من الخصائص و الأدوات الأخرى التي تمكن المؤسسة من تحقيق نتائج افضل بعدد أفراد اقل , وبإدخال تعديل بسيط في مهام و صلاحيات المشرفين و المناديب , مع استحداث دور جديد هو “محلل البيانات” او تدريب احد المشرفين على مهارة تحليل البيانات.

دراسة حالة في احدى شركات توزيع المنتجات الغذائية

إحدى شركات التوزيع البارزة، والتي تعمل في مجال التوزيع لأكثر من 20 عامًا، تضم فريق توزيع مكونًا من 30 مندوبًا. تعتمد الشركة على منهجية المراقبة الدقيقة لمتابعة أداء المندوبين، مما يستدعي توظيف 5 مشرفين مبيعات بالإضافة إلى رئيس القطاع. تقدر تكلفة مرتبات وحوافز المشرفين بحوالي 1.25 مليون جنيه سنويًا. وتمتلك الشركة نظام مبيعات تقليدي داخلي، حيث تتراوح تكلفة التشغيلية السنوية بين 300 و 400 ألف جنيه سنويًا.

قررت الشركة الاستعانة بمكتب استشارات متخصص لتحسين كفاءتها، ولتقديم مقترحات بتطوير منظومة العمل لتقليل النفقات التشغيلية وزيادة الربحية. من بين توجيهات المكتب الاستشاري لقطاع المبيعات كان الانتقال إلى استراتيجية الإدارة بالأهداف، مع تقليل عدد المشرفين والاعتماد على نظام مبيعات حديث يتماشى مع هذه الاستراتيجية. وفي هذا السياق، مع استحداث وظيفة جديدة لمحلل البيانات.

صعوبات وتحديات: مقاومة ورفض التغيير

ورغم أن اقتراحات شركة الاستشارات لاقت في البداية رفضًا من الإدارة العليا، ولكن بدعم من رئيس قطاع المبيعات، الذي كان يتمتع برؤية مستقبلية ودراية بالتطور التكنولوجي، بدأت الشركة في تنفيذ الاستشارة بشكل تجريبي. حيث تصادف ان الشركة كانت تتوسع في محافظة جديدة , و قرر رئيس القطاع وضغ اقتراح شركة الاستشارات قيد التجربة العملية , فبدأت الشركة في استخدام برنامج مبيعات سحابي جديد بنظام الاشتراك السنوي بدلاً من زيادة الطاقة الاستيعابية للنظام القديم. كما تم تعيين مشرف غير ميداني يتمتع بمهارات تقنية متقدمة في استخدام نظم المعلومات وتحليل البيانات.
نجح الفريق الجديد في بدء العمل على النظام السحابي الجديد في غضون 4 أيام، منهم يومين فقط لتلقي التدريب عبر الإنترنت. وبدأ المشرف في استخراج التقارير ومشاركتها مع رئيس قطاع المبيعات، وأظهرت النتائج رضاً كبيراً من حيث تكاليف استخدام النظام الجديد وأداء الفريق.

النتائج بالأرقام

بهذا تمكنت الشركة من وضع الاستراتيجية الجديدة قيد الاختبار بتكلفة زهيدة، وتأكدت من نجاح التجربة وقدرة المندوبين على العمل بالمنظومة الحديثة بسهولة، مما جعل الفريق الإداري مستعداً لعملية التحول في أسلوب الإدارة.
وبدأت الشركة في تحول تدريجي لقطاعات جغرافية قديمة إلى المنظومة الجديدة، وفي غضون عامين تمكنت من تقليل عدد المشرفين من 6 ميدانيين إلى 2 مشرفين يتمتعون بمهارة تحليل البيانات، مما ساهم في توفير أكثر من مليون جنيه سنوياً، بالإضافة إلى تقليل تكلفة تشغيل البرامج من 400 ألف جنيه إلى أقل من 120 ألف جنيه سنوياً , مع تحسن ملحوظ في آداء فريق المبيعات من حيث عدد الزيارات اليومية.

ملخص التجربة و الدروس المستفادة

يجب الإشارة إلى أن التحول في نظم الإدارة يعتبر من المهام التي تحتاج إلى رؤية وجرأة كبيرة من الإدارة العليا، وعزيمة في تنفيذ ذلك التحول، مع تحديات أخرى مرتبطة بدرجة تأهيل واستعداد الموظفين لقبول التغيير ومواكبته. لذلك، لا يمكن الزعم أن تغيير الاستراتيجية حتما سيؤدي إلى النتائج المرجوة. وكما أن هناك حالات نجاح باهرة، توجد حالات فشلت في اعتناق منهجيات جديدة، واستحداث طرق العمل داخل المؤسسة. ولكن المؤكد، أن الشركات التي استطاعت إجراء مثل تلك التحولات، هي الشركات التي ضمنت الاستمرارية، وأصبحت لديها قابلية للتوسع والنمو بشكل أفضل من المؤسسات التقليدية، التي تجاهلت أو لم توفق في إجراء تحولات في أساليب الإدارة وطرق التشغيل.

وبغض النظر عن الخلاف بين أنصار منهجيات واستراتيجيات الإدارة المختلفة، وأيهما أفضل، تظل الحقيقة المؤكدة هي أن التغيير ضرورة حتمية من ضرورات البقاء والاستمرار، والابتكار ضرورة حتمية من ضرورات التفوق والازدهار، لذلك تحرص الشركات ذات الرؤية على إنشاء إدارة بحوث وتطوير R&D أو إدارة معنية بالابتكار Innovation، تكون مسؤولة عن مطالعة مستجدات كل ما يدور في مجال عمل الشركة من استراتيجيات وأدوات وتقنيات، ووضعها قيد الاختبار لتقييمها، ثم توظيف ما يثبت نفعه ومساهمته في ضمان تطور المؤسسة وتفوقها.

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *